الصديقُ الحقيقيّ كنزٌ حقيقيّ. أن يكونَ لديك شخصٌ يمكنك أن تثق به، شخصٌ يعرف أفضلَ وأسوأ ما فيك من دون أن يحكم عليك، هو شيءٌ ثمينٌ جدًّا. وكم سيكون جيّدًا لو كان لكلٍّ منّا صديقٌ مثل يوناثان الذي شدّد يدَ داود بالله (1صموئيل 23: 16). ونحن جميعًا بحاجة إلى صديقٍ مثل تيموثاوس الذي كان مخلصًا في اهتمامه بالآخرين (فيلبي 2: 20).
على الرّغم من التواصل الفوريّ الذي يمكننا أن نحظى به بعضنا مع بعض اليوم، يشعر كثيرون منّا بالفراغ والوحدة. قد يكون لدينا تفاعلٌ مع أناسٍ كثيرين، لكنّ علاقاتنا غالبًا ما تكون سطحيّةً وسريعةَ الزّوال. إنّ استعادةَ رؤية الكتاب المقدّس للصّداقة – إلى جانب اللجوء إلى صديقنا الأهمّ وهو المسيح – يمكن أن تساعدنا على اتّخاذ بعض الخطوات نحو ملء فراغنا العلائقيّ.
يقدّم لنا سفرُ الأمثال ثلاث سمات على الأقلّ يتحلّى بها الصّديقُ التقيّ.
الإخلاص
أوّلاً، الصديقُ الحقيقيُّ مُخلصٌ دائمًا. تتميّز الصداقة الكتابيّة بالثبات، ويقول سفر الأمثال 17: 17: “اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ”. بعبارة أخرى، لا تقوم الصداقةُ الحقيقيّةُ على النجاح، أو الظروف، أو المظهر، أو المال، أو الممتلكات. يبقى الصّديقُ في السرّاء والضراء، في النجاح أو الفشل، وحتّى عند الإساءة.
الصديق الحقيقيّ يصبر ويسامح. “اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ”.
الصّدق
تتميّز الصداقةُ أيضًا بالصّدق. يقول سفر الأمثال 27: 6 شيئًا قد يبدو لنا غريبًا في البداية: “أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ.” ألا نتلقّى عادةً جراحًا من الأعداء وأحضانًا من الأصدقاء؟ أليس الأصدقاء هم مَن يرفعوننا بينما يؤذينا أولئك الذين لا يحبّوننا؟ ليس بالضرورة، يقول سليمان! علينا أن ندرك أنَّ الأصدقاء الحقيقيين مستعدّون لجرحنا كي نصبح ما يريد منّا الله أن نكون عليه. الصديق الحقيقيّ يشير لنا إلى نقاط ضعفنا – حتّى عندما يكون ذلك مؤلمًا – ثم يساعدنا على رؤية الأمور بوضوح.
رهافة الحسّ
الصديق التقيّ لن يكون صادقًا فحسب، بل حسّاسًا أيضًا. لن يُسبّب جرحًا من دون أن يداويه. قال سليمان: “مِثْلُ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَرْمِي نَارًا وَسِهَامًا وَمَوْتًا، هكَذَا الرَّجُلُ الْخَادِعُ قَرِيبَهُ وَيَقُولُ: ’أَلَمْ أَلْعَبْ أَنَا!‘” (أمثال 26: 18- 19). حتّى لو لم نكن نحاول خداع أيّ شخص بشكل مقصود، يمكننا أن نلحق الأذى بالآخر عبر المزاح الفظّ وغير الحسّاس. إنَّ القليلَ من المزاح بين الأصدقاء أمرٌ طبيعيّ، ولكن في إخلاصنا وصدقنا يجب أن نبقى دائمًا حسّاسين تجاه الآخر.
عندما ننظر إلى هذه المعايير، ندرك أنّنا جميعًا نتعثّر بطرق كثيرة. لذلك عندما نخذل أصدقاءنا حتمًا، وعندما يخيّبون هم أملنا، إلى مَن نذهب؟ لن نجدَ صديقًا حقيقيًّا سوى في ابن الله نفسه، يسوع المسيح.
ففي خلال خدمته على الأرض، كثيرًا ما أوقعه نطاقُ صداقاته في المتاعب. فإنّ صداقته مع العشّارين والخطأة سبّبت إزعاجًا للمؤسّسة الدينيّة (متّى 11: 19؛ لوقا 7: 34). وقد دخل يسوعُ حياةَ أشخاصٍ كانوا بحاجة إليه، مثل زكا العشّار المكروه (لوقا 19: 1- 10)، والمرأة السامريّة المنبوذة عند البئر (يوحنا 4: 7-30)، وآخرين كثيرين، وأظهرَ لهم المحبّةَ والاهتمامَ حتّى عندما رفضهم الآخرون. وهو يُظهر لنا اليوم المحبّةَ والاهتمامَ نفسيهما.
يجب علينا جميعًا أن نطلب من الله أن يمنحنا أصدقاء يُشبهون المسيح، وربّما الأهم من ذلك هو أن نكون نحن أصدقاءً يشبهون المسيح. نحن بحاجة إلى أن يرشدنا أصدقاؤنا إلى المسيح، تمامًا كما يحتاجون هم منّا أن نفعل الشيء نفسه لأجلهم. إنّ تقديمَ صداقة تُشبه صداقة المسيح أمرٌ مكلفٌ أحيانًا كثيرة، تمامًا كما كان مكلفًا بالنسبة إلى الرّب يسوع. ولكن عندما يحفظ سلامُ الله قلوبَنا وأفكارَنا (فيلبي 4: 7)، لن نخسر شيئًا، بل سنربح كلّ شيء.
أيّها المؤمن، في المسيح تَجدُ صديقًا مُخلصًا لك. فهو لن يهملك ولن يتركك (عبرانيين 13: 5)، بل وعدَ أن يكونَ معك دائمًا (متى 28: 20). وهو أيضًا صادقٌ وينطق بالحقّ (1بطرس 2: 22) ويحمل اسم “أمينًا وصادقًا” (رؤيا 19: 11). إنّه صديقٌ حسّاس؛ “قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ” (متى 12: 20). “يا ترى أيُّ صديق مثله”!
هذا المقال مقتبسٌ من عظتَي “الصداقة الحقيقيّة” و”الصداقة” لأليستير بيغ.