تعلُّم الراحة من المزامير سكوت هوبارد
في بعض الليالي، عندما تُطفأ الأنوار يعمُّ السكونُ البيتَ وكلَّ ما مِن حولنا، أمّا قلوبُنا فتبقى مضطربة. ننام في السرير فيما تتبادر إلى أذهاننا آلافُ الأفكار التي تُبقينا صاحين؛ فنفكّر في العمل الذي لم يُنجَز بعد والأسئلة التي لم نجد جوابًا لها والأحزان التي نختبرها والراحة التي نفتقدها وندم الماضي واحتياجات المستقبل.
يُطمئننا سليمان في مزمور 127: 2 إذ يقول إنّ الرّب “يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا”. لكن في ليالٍ مثل هذه قد نتساءل كيف لنا أن نختبر هذا.
الذهن الهادئ والساكن
عَلِم كُتّاب المزامير كم يُمكن للهموم والأحزان أن تحرم المرء من النوم. ومثلنا، بقوا صاحين ساعات طويلة في أسرّتهم بينما كانت الأفكار تأتي وتذهب (مزمور 77: 1- 3). لقد شاهدوا القمرَ في السماء يحلّ ثمّ يغيب مرّات عدّة (مزمور 22: 2)، وكانوا يعلمون أنّ أحيانًا، لأسبابٍ جيّدة وصالحة، كان الله الذي يعطي حبيبه نومًا يأخذه منه أيضًا.
لكن على الرغم من ذلك، كان داود وسليمان وغيرهما من كتّاب المزامير يعرفون أنّ النوم ممكنٌ حتّى في أحلك الليالي. وحتّى عندما كانوا مطارَدين في القفر (مزمور 3: 5) أو غارقين في الحزن (مزمور 42: 8) أو منهكين بسبب أتعاب الحياة (مزمور 127: 1- 2)، استطاعوا أن يختبروا روعةَ إلقاء جميع همومهم عند الله ويناموا. علموا أنّه كان بوسعهم أنّ يتحلّوا بذهنٍ ساكنٍ حتّى لو كانت حياتُهم صاخبة.
الرّبُّ تُرسُكَ
“أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي” (مزمور 3: 5).
في مزمور 3 كان لداود أسباب وجيهة تدفعه للقلق والاستلقاء على فراشٍ من الهموم. لاحقه ابنٌ خائنٌ من أورشليم، وهرب إلى البريّة مطاردًا مثل الوحش (مزمور 3: 1- 2). هذا مشهدٌ ينزع النوم من الأجفان. لكن مع هذا كلّه، استطاع داود أن ينام وعلى الأرجح أنّه لم يواجه صعوبة في ذلك: “أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ” (مزمور 3: 5). لكن كيف؟ تُسلّط كلماتُ داود السابقة الضوءَ على الإيمان الذي بفضله استطاع أن ينام: “بِصَوْتِي إِلَى الرَّبِّ أَصْرُخُ فَيُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِ قُدْسِهِ” (مزمور 3: 4).
ربّما نستلقي اليوم في فقرٍ وعجزٍ، مُطاردين بهمومٍ تفوق قدرتنا على السيطرة عليها، لكن حتى في تلك الأوقات، ما يزال الله على العرش في جبل قدسه. في الليل هو ترسٌ لي وفي النهار هو رافع رأسي (مزمور 3: 3).
الرّبُّ راعيكَ
“اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي” (مزمور 23: 1- 2).
كم من ليالٍ قاتمة ومضطربة شهِدنا بسبب الخوف من أنّه يعوزنا شيءٌ، وأنّ الصباح لن يجلب معه مراحم جديدة، وأنّنا لن نُعطى خبزنا كفافنا؟ كم مِن مرّة يُشير تفكيرُنا هذا إلى أنّنا لا نثق بربّنا وراعينا؟
في ليالٍ مثل هذه، ما مِن اعترافٍ أفضل من أن نقول قبل النوم “لا يعوزني شيء” وما مِن ضمانٍ أفضل من حقيقة أنّ “الرّبّ راعيّ”. وعندما يبدو الغدُ مليئًا بالحاجات الملحّة والرغبات التي تفوق قدرتنا على الحصول عليها، بوسع هذه الكلمات أن تكون بمثابة عكّاز يقودنا إلى مراعٍ خضرٍ، وبمثابة يد الراعي التي تسكّننا لننام.
الرّبُّ تعزيتُكَ
” يُحْصِي عَدَدَ الْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ” (مزمور 147: 4).
من بين أنواع القلق الكثيرة التي تُرافق كتّابَ المزامير إلى فراشهم، قد يكون الحزنُ الأكثرَ شيوعًا. نقرأ في المزامير عن بكاةٍ في المساء (مزمور 30: 5)، وعن نفوسٍ ساهرة وبائسة (مزمور 77: 1- 2)، وعن قدّيسين تُلطّخُ دموعُهم مَلاءات السرير (مزمور 6: 6).
في مثل هذه الأوقات ينضمّ صوتُ الله في الخليقة إلى صوته في الكلمة المقدّسة ليعزِّينا ويُريحنا من ألمنا. إذا كان الله يدعو النجوم كلّها بأسماء، فهو بالتأكيد لا يغفل عن أحزان أبنائه العزيزين عليه (مزمور 147: 3؛ إشعياء 40: 26- 27).
الله يعرف أحزاننا وآلامنا غير المرئيّة، وهو شافي القلوب العظيم، ومُضمّد الجراح.
الرّبُّ حياتُكَ
“أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ” (مزمور 17: 15).
ذات يوم، سوف نغلق أعيننا مرّةً أخيرةً ولن نستيقظ مجدّدًا في هذا العالم. شعر كتّابُ المزامير بقدوم هذا النوم الأخير. عندما غنّى داود عن استيقاظٍ سيسمح له بأن يرى “وجهك… شبهك”، فقد كان يشير إلى استيقاظٍ ليس من هذا العالم وإلى صباحٍ لا يمكن أن يحلّ إلّا في السماء (انظر أيضًا إشعياء 26: 19 ودانيال 12: 2).
فيما نخلد إلى النوم اليوم، الله جاهزٌ ليحملنا بين يديه الآمنتَين حيث نجد الهدوءَ الذي يسكّن أذهاننا المضطربة، أكانت واعية أم نائمة، حيّة أم ميتة. وحتّى لو كان هذا نومنا الأخير، فسنفتح أعيننا مرّةً أخرى ونرى وجهَ ذاك الذي كان طوال ليالٍ كثيرة ترسَنا وراعينا وتعزيتنا والآن حياتنا الأبدية.