بقلم جون بايبر
هل يمكننا أن نعرفَ اللهَ، خالق الكون، معرفةً شخصيّةً؟ وهل يمكننا أن نعرفَه معرفةً تجعلنا نصبح أكثر شبهًا به، لنكون أكثر توافقًا مع إرادته؟ أظنّ أنّ الناسَ في جميع أنحاء العالم يبحثون عن إجابةٍ عن هذا السؤال: “هل يمكنني معرفة خالقي؟” هذا السؤال مهمٌّ جدًّا. ونحن لا نتحدّث عن شيءٍ ثانويٍّ، بل عن شيءٍ أساسيٍّ جدًّا لوجود الإنسان.
لطالما استندتُ إلى 2كورنثوس 3: 18 و2كورنثوس 4: 4 و1صموئيل 3: 21 في إجابتي عن هذا السؤال وفي اختباري الشخصيّ المتعلّق بمعرفة الله. الجديدُ بالنسبة إليّ هو ما اكتشفتُه من روابط بين هذه النصوص القديمة المألوفة ومقاطع أخرى من الكتاب المقدّس. وتؤدّي هذه الروابط الجديدة إلى تأكيد وتعميق فهمي القديم واختباري المرتبطَين بمعرفة الله والتغيير الناتج من هذه المعرفة.
رؤيةُ الله الحيّ
نقرأ في 1صموئيل 3: 21: “وَعَادَ الرَّبُّ يَتَرَاءَى فِي شِيلُوهَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْتَعْلَنَ لِصَمُوئِيلَ فِي شِيلُوهَ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.” إذًا، لا يُمكننا معرفة الله إلّا إذا كشفَ عن ذاتِه. الله هو الله، ولسنا نحن الله. فهو مَن يتّخذ المبادرة، ولا يُمكننا أن نصعدَ عبر الكون إلى السماء لنلتقي به ونعرفه. لا يمكننا معرفة الله إلّا إذا نزلَ إلينا وأظهَرَ لنا ذاتَهُ وكشف عنها. وتقول هذه الآية إنَّ الله فعل ذلك مع صموئيل. كم هذا رائع. هذه معرفةٌ شخصيّةٌ بخالق الكون؛ فقد التقى صموئيل بالله الحيّ وعرفَه شخصيًّا.
من ثمّ نقرأ هذه الكلمات الرائعة التي تُظهِر كيف يُمكننا أن نكونَ جزءًا من تلك التجربة. تقول إنّ “الله يكشف لنا عن ذاته بواسطة كلمته”. إذًا، يحدث الكشفُ والظهورُ، وهما نوعٌ من رؤيةٍ نحصل عليها، من خلال السّمع أو القراءة. لقد رأى الله أنّ الطريقة الأكثر شيوعًا لمعرفته شخصيًّا هي من خلال سماع كلمته وقراءتها. إنَّ التجربةَ الأكثر استثنائيّة في العالم، أي معرفة الله معرفةً شخصيّةً، تحدث من خلال تجربة عادية ألا وهي قراءة كلمة الله أو سماعها.
لقد استغرق الأمرُ بعضَ الوقت قبل أن أتمكّنَ من الربط بين 1صموئيل 3: 21 والبيان السابق عن الصبيّ صموئيل الذي لم يكن يعرف الرّبَّ بعد عندما جاءت كلمةُ الرّبّ إليه في الليل. إذا نشأنا في الكنيسة، فإنّنا نعرفُ جميعًا قصّةَ ذلك الصبيّ الذي تكلّم اللهُ معه. فيجري الصبيُّ إلى عالي الكاهن مرارًا وتكرارًا لأنّه لا يتعرّف على صوت الله. وهكذا، نقرأ في 1صموئيل 3: 7: “وَلَمْ يَعْرِفْ صَمُوئِيلُ الرَّبَّ بَعْدُ، وَلاَ أُعْلِنَ لَهُ كَلاَمُ الرَّبِّ بَعْدُ.” إذًا، يؤكّد هذا ما رأيناه في الآية 21، أي أنّنا نعرف الرّبّ شخصيًّا من خلال معرفة كلمته.
لم يسمع صموئيل وهو صبيٌّ صغيرٌ كلمةَ الله بصفتها كلمة الله بعد. فقد سمعَ صوتًا وفهمَ الكلمات، لكنّه لم يعلَم أنّ الله هو مَن كلّمَه. لم يكن يعرف كلمةَ الله. وجعلني هذا أفكّر في 1تسالونيكي 2: 13 في ما يتعلّق باختبارنا، حيث يقول بولس: “إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ.”
إذًا، نسمع أوّلاً كلمةَ الله في الكتاب المقدّس، ثمّ يفتح الروحُ القدس قلوبَنا لندرك أنّها كلمة الله الحقيقيّة، ثمّ نلتقي بالله ونعرفه معرفةً شخصيّةً بواسطة كلمته. لهذا السبب، عندما نقرأ الكتاب المقدّس، يجب أن نصلّي باستمرارٍ قائلين: “يا ربّ، افتح عينيّ وأذنيّ وقلبي وفِكري لأعرفَكَ.”
رؤيةٌ تُحدِث تغييرًا
من ثمّ تأتي المسألةُ الأهمّ: هل كلمتُه تغيّرنا؟ هل نتحوّل إلى شبه الله؟ هل نلتزم بمشيئته من خلال سماعه بهذه الطريقة؟ وهنا يأتي دور 2كورنثوس 3: 18. نقرأ: “وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ…” إذًا، يكشف الله عن نفسه بكلمته وفقًا لسفر صموئيل الأوّل، والآن يصبح هذا الكشفُ بمثابة رؤية فينا، ويقول: “نَتَغَيَّرُ (بفضل هذه الرؤية) إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ.” يمكنك تسمية هذا: “أن تصبح صالحًا عبر رؤية المجد”، أي أن تصبح أكثر شبهًا بالمسيح برؤية مجده.
إنّها لمحةٌ أولى عمّا يَعِدُ به يوحنا عند المجيء الثاني. فيقول في 1يوحنا 3: 2: “نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ.” ثم يضيف بولس في 1كورنثوس 13: 12: “فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ.” وهذا يفسّر إلى حدٍّ كبيرٍ لماذا نتغيّر تدريجيًّا الآن، وببطءٍ ربّما محبطٍ أحيانًا، من خلال رؤية المسيح بصورة باهتة. كم نودّ أن تراه أعُينُ نفوسِنا بوضوحٍ أكبر، وتعرفه معرفةً مباشرةً.
ولكن عند مجيء الرّبّ، سنتغيّر – “فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ” (1كورنثوس 15: 52) – عندما نراه وجهًا لوجه. ولا يتركنا بولس في حيرةٍ من أمرنا بشأن أين يجب أن ننظرَ الآن لنرى مجدَ الرّبّ، إذ يقول في 2كورنثوس 3: 18 إنّنا نستطيع أن نراه؛ فبعد أربع آيات يقول في 2كورنثوس 4: 4: “الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ (أي الشيطان) قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.”
إذًا، أين نرى مجدَ المسيح؟ يقول إنّنا نراه في الإنجيل، في قصّة حياة يسوع وموته وقيامته، المكتوبة لنا بسلطة الرسل في العهد الجديد. هذا هو المكان الذي نرى فيه مجدَ الرّبّ يتجلّى من كلمة الله الموحى بها، وهكذا نتغيّر بواسطتها.
رؤيةٌ جديدةٌ وذاتٌ جديدةٌ
ربّما هناك فكرتان سريعتان أخريان استخلصتُهما فيما كنتُ أفكّر في هذه المجموعة من النصوص الكتابيّة. لم ألاحظ قطّ على سبيل المثال، أنّ رسالة كولوسي 3: 10 ربّما تُشير إلى الشيء نفسه عندما تقول: “وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ.” فهذه الذات الجديدة هي التحوّل الذي نتوق إليه والذي يُذكَر في 2كورنثوس 3: 18. إنّها تغيُّرٌ إلى صورة خالقنا. وهذا ما يسمّيه بولس الخليقة الجديدة؛ نحن مخلوقات جديدة في المسيح. ويقول إنّ ذلك يتحقّق من خلال معرفته. إذًا بوسعنا أن نعرفَ الرّبَّ بواسطة كلمته، من ثمّ نتغيّر. نلبس الذاتَ الجديدة من خلال التحوّل الذي نختبره بفضل تلك المعرفة، ومن خلال الكلمة.
ثمّة رابطٌ آخر؛ ففي 1يوحنا: 3: 6 رأيتُ شيئًا لم أنتبه له من قبل. يقول: “كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ (أي المسيح) وَلاَ عَرَفَهُ.” بمعنى آخر، إذا استمررنا في طريق الخطيّة بلا تغيير، غير تائبين حتّى النهاية، فسيُثبت هذا أنّنا لم نره قطّ. لم نرَ مجدَه أو نعرفه، وأظنّ أنّ هذا يؤكد بشكلٍ مذهلٍ أنّ الرؤية التي نتمتّع بها في 2كورنثوس 3: 18 هي التي تُحدث تغييرًا.
السؤال المهمّ الذي يطرحه الناسُ في جميع أنحاء العالم وعلى مرّ التاريخ هو: “كيف يمكنني معرفة الله معرفةً شخصيّةً؟” أمّا السؤال الأساسي فهو: “كيف يمكنني أن أعرف الله معرفةً تجعلني أصبح أكثر شبهًا به؟” ويجيب الكتابُ المقدّس عن هذا السؤال بشكلٍ رائع. يكشف الله عن ذاتِه لنا بواسطة كلمته، وبفضل هذا الكشف الذاتيّ نختبر نحن التغيير.